سورة يونس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ} أي: خلفاء، {فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: من بعد القرون التي أهلكناهم، {لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} وهو أعلم بهم. وروينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا إن هذه الدنيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون».
قوله عز وجل: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} قال قتادة: يعني مشركي مكة. وقال مقاتل هم خمسة نفر: عبد الله بن أمية المخزومي، والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاص بن عامر بن هاشم. {قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} هم السابق ذكرهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد أن نؤمن بك {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة، وليس فيه عيبها، وإن لم ينزلها الله فقلْ أنت من عند نفسك، {أَوْ بَدِّلْهُ} فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة، أو مكان حرام حلالا أو مكان حلال حراما، {قُل} لهم يا محمد، {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} من قِبَلِ نفسي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} أي: ما أتبع إلا ما يوحي إليّ فيما آمركم به وأنهاكم عنه، {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} يعني: لو شاء الله ما أنزل القرآن عليّ. {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} أي: ولا أعلمكم الله. قرأ البزي عن ابن كثير: {ولأدراكم به} بالقصر به على الإيجاب، يريد: ولا علّمكم به من غير قراءتي عليكم. وقرأ ابن عباس: {ولا أنذرتُكم به} من الإنذار. {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا} حينا وهو أربعون سنة، {مِنْ قَبْلِهِ} من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء. {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أنه ليس من قِبَلي، ولبث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم قبل الوحي أربعين سنة ثم أوحى الله إليه فأقام بمكة بعد الوحي ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وروى أنس: أنه أقام بمكة بعد الوحي عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفي وهو ابن ستين سنة. والأول أشهر وأظهر.


قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فزعم أن له شريكا أو ولدا {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} لا ينجو المشركون.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ} إن عصوه وتركوا عبادته، {وَلا يَنْفَعُهُمْ} إن عبدوه، يعني: الأصنام، {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ} أتخبرون الله، {بِمَا لا يَعْلَمُ} الله صحته. ومعنى الآية: أتخبرون الله أن له شريكا، أو عنده شفيعا بغير إذنه، ولا يعلم الله لنفسه شريكا؟! {فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} قرأ حمزة والكسائي: {تشركون} بالتاء، هاهنا وفي سورة النحل موضعين، وفي سورة الروم، وقرأ الآخرون كلها بالياء.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: على الإسلام. وقد ذكرنا الاختلاف فيه في سورة البقرة {فَاخْتَلَفُوا} وتفرَّقوا إلى مؤمن وكافر، {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} بأن جعل لكل أمة أجلا. وقال الكلبي: هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذبين، وكان ذلك فصلا بينهم، {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وقال الحسن: ولولا كلمة سبقت من ربك، مضت في حكمه أنه: لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة، لقضي بينهم في الدنيا فأدخل المؤمن الجنة والكافر النار، ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة.


{وَيَقُولُون} يعني: أهل مكة، {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ} أي: على محمد صلى الله عليه وسلم {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} على ما نقترحه، {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} يعني: قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله، لا يعلم أحد لِمَ لَمْ يفعل ذلك ولا يعلمه إلا هو. وقيل: الغيب نزول الآية لا يعلم متى ينزل أحد غيره، {فَانْتَظِرُوا} نزولها {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} وقيل: فانتظروا قضاء الله بيننا بالحق بإظهار المحق على المبطل.
قوله عز وجل: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ} يعني: الكفار، {رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ} أي: راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء. وقيل: القطر بعد القحط، {مَسَّتْهُم} أي: أصابتهم، {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} قال مجاهد: تكذيب واستهزاء. وقال مقاتل بن حيان: لا يقولون: هذا من رزق الله، إنما يقولون: سُقِينَا بِنَوْءِ كذا، وهو قوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة- 82].
{قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} أعجل عقوبة وأشدُّ أخذًا وأقدر على الجزاء، يريد عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق، {إِنَّ رُسُلَنَا} حفظتنا، {يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} وقرأ يعقوب: {يمكرون} بالياء.
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} يجريكم ويحملكم، وقرأ أبو جعفر وابن عامر: {ينشركم} بالنون والشين من النشر وهو البسط والبث، {في البِرِّ}، على ظهور الدواب، وفي {البحر} على الفلك، {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} أي: في السفن، تكون واحدا وجمعا {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} يعني: جرت السفن بالناس، رجع من الخطاب إلى الخبر، {بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} ليِّنة، {وَفَرِحُوا بِهَا} أي: بالريح، {جَاءَتْهَا رِيحٌ} أي: جاءت الفلك ريح، {عَاصِف} شديدة الهبوب، ولم يقل ريح عاصفة، لاختصاص الريح بالعصوف. وقيل: الريح تذكر وتؤنث. {وَجَاءَهُم} يعني: ركبانَ السفينة، {الْمَوْج} وهو حركة الماء واختلاطه، {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا} أيقنوا {أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} دَنَوا من الهلكة، أي: أحاط بهم الهلاك، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: أخلصوا في الدعاء لله ولم يدعوا أحدًا سوى الله. وقالوا {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} يا ربنا، {مِنْ هَذِهِ} الريح العاصف، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لك بالإيمان والطاعة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8